
السلام عليكم ورحمة الله
اطلعت على جوابكم الشافي في موضوع انتشار الإسلام بالسيف ونخبركم أن من أكثر ما يرد علينا موضوع التعدد في الإسلام وأن فيه ظلماً للمرأة وبحكم عدم تخصصنا في علم الشريعة لا نستطيع دفع الشبه التي يذكرونها أفيدونا في ذلك جزاكم الله خيراً؟ عدنان - شيكاغو
بارك الله في جهودكم في الدعوة إلى الله وتوضيح حقائق الدين للناس وإزالة ما يشكل عليهم ويمنعهم من الإسلام فهذه وظيفة الأنبياء وأتباعهم نسأل الله أن نكون منهم قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين
والحقيقة أننا نسمع كثيراً دعاوى ظلم الإسلام للمرأة عبر تشريع تعدد الزوجات وسنوضح زيف هذه المقولة وبعدها عن الحقيقة والموضوعية عبر النقاط التالية:
التعدد في الديانات السماوية :
جميع من كتب في التاريخ أثبت أن التعدد كان معروفاً قبل الإسلام عند العرب وغير العرب فاليهودية أباحت التعدد بلا حد وكان ذلك منتشراً في أنبيائها وملوكها كما كان منتشراً ومعروفاً بين النصارى فأسفار العهد القديم وهي مقدسة عند النصارى تبيحه ولا تحرمه بل في رسالة بولس إلى تيموثاوس في الإصحاح الثالث (يلزم أن يكون الأسقف بعل امرأة واحدة) فمنع التعدد كان قاصراً على رجال الدين.
وقبل اليهودية والنصرانية وبعدها كان التعدد مأثوراً عن الأنبياء فإبراهيم عليه السلام تزوج سارة وهاجر ويعقوب تزوج ليئة وراحيل ،وفي سفر الملوك في الإصحاح الحادي عشر أن سليمان عليه السلام كان له سبعمائة من النساء السيدات وثلاثمائة من الجواري.
فالإسلام لم يبدأ التعدد ولكنه جاء فوضع له القوانين والضوابط التي تحمي المرأة وتصونها وتشيع العدل وتحافظ على أواصر العائلة والمجتمع بكل حكمة وإنسانية، وهذه بعض الضوابط التي وضعها الإسلام للتعدد:
التعدد في الإسلام ليس بدون حد:
انتشر في الثقافات والديانات التعدد المفتوح بدون حد فلما أتى الإسلام جعل أقصى حد للتعدد هو أربع من النساء قال تعالى فإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان قد تزوج أكثر من أربع بمفارقتهن كما ثبت أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يتخير أربعا منهن (الترمذي 1128)
يشترط الإسلام العدل كأساس للتعدد:
فالإسلام هو دين العدل ورفع الظلم وذلك يتجلى في جميع تشريعاته ومن ذلك التعدد فقد قال تعالى فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم .
وتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال إلى إحدى نسائه دون الأخرى فقال من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل (النسائي 3942).
وذلك بالطبع في الأمور الظاهرة التي يمكن للرجل العدل فيها كالمبيت والسكنى والنفقة والمعاشرة وكل ما يمكن العدل فيه وهذا غاية في المحافظة على كرامة المرأة وصيانتها
أما الميل القلبي فليس هذا من مقدور الإنسان ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما يروى عنه اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب (أبوداود 2134).
4. القدرة على الحياة الكريمة :
شرط الإسلام القدرة على الإنفاق على الزوجة ، سواء كان هذا الزواج بالزوجة الأولى أو بالثانية، ويبقى هذا الالتزام ثابتاً في ذمة الرجل نحو زوجته ما دامت زوجته، ولا يسقط عنه بزواجه بأخرى، بل يزيد التزامه التزاما آخر بالنفقة على زوجته الثانية، فإذا كان عاجزاً عن الإنفاق على زوجته الثانية مع الأولى، حرم عليه الزواج بالثانية.
وقد دل على هذا الشرط -شرط الإنفاق- قوله تعالى وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله فقد أمر الله تعالى بهذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح، ولا يجده بأي وجه أن يستعفف. ومن وجوه تعذر النكاح من لا يجد مهراً ينكح، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته.
5. المرأة يوكل إليها القبول أو الرفض في أمر الزواج:
فالإسلام يعتبر إذن المرأة وموافقتها أساس عقد الزواج قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت
وقد جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ يَرْفَعُ بِي خَسِيسَتَهُ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا قَالَتْ فَإِنِّي قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ( رواه أحمد 25043)
فالرأي في موضوع الزواج ابتداء وتعدداً بيد المرأة تقبل منه ما ترى فيه السكن والأمان والمودة وتأمل الخير من ورائه أو على أقل تقدير ترى فيه أهون الشرين ولها أن ترفض ما تراه في غير مصلحتها.
أما الزوجة الأولى فكان لها الحق في الاشتراط على الزوج عدم الزواج من الثانية في عقد النكاح ، ويلزم الزوج حينئذ امتثال هذا الشرط ورسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد أن شروط النكاح غير المخالفة للشرع هي أعظم ما يجب الوفاء به فيقول أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج (رواه البخاري ومسلم ) ولزوم امتثال الزوج لهذا الشرط هو مذهب جمهور أهل العلم من المالكية والحنابلة وعليه فتاوى الصحابة رضوان الله عليهم.
يقدم التعدد الحل للعديد من مشاكل المجتمع المنتشرة ومن ذلك :
· إذا عقمت المرأة وثبت أنها لا تنجب والرجل لديه الرغبة الفطرية في الإنجاب فهو أما خيارين إما أن يطلقها ليتزوج وليس في هذا وفاء للمرأة التي أخلصت له وقدمت له كل ما تقدر عليه أو يحافظ عليها وعلى كرامتها ومكانتها مع زواجه بأخرى ولا شك أن الخيار الثاني أولى.
· بعض الرجال لديهم رغبة جنسية جامحة ولا تكفيهم امرأة واحدة لإحصانهم إما لعزوف المرأة عن ذلك أو لضعفها أو مرضها أو كبر سنها فهل نقول له أطلق لنفسك العنان بالفاحشة والزنى مع من تشاء أم نوجهه إلى الزواج بالثانية مع الإبقاء على الأولى خاصة مع وجود الرغبة من الطرفين في إبقاء العلاقة واستدامة العشرة.؟
في أكثر البلدان يزيد عدد النساء عن عدد الرجال:
على سبيل المثال في أمريكا:
يبلغ عدد الرجال (151205402)
و يبلغ عدد النساء (156006721)
ولو أن كل رجل تزوج امرأة واحدة في أمريكا لكان لدينا (4801319) امرأة بدون زواج قرابة خمسة ملايين امرأة
في بريطانيا :
يبلغ عدد الرجال (30267602)
ويبلغ عدد النساء (30845603)
ولو أن كل رجل تزوج امرأة واحدة لبقي لدينا (578001) امرأة بلا زوج
الإحصائيات لعام2010 من من موقع
https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/index.html
فكيف تكون الأمور بعد الحروب والكوارث أن الأمر يزداد تعقيداً وصعوبة.
ولهذا أوصى مؤتمر الشباب العالمي في ميونخ عام 1948 بإباحة تعدد الزوجات حلاً لمشكلة تكاثر النساء وقلة الرجال بعد الحرب العالمية الثانية.
وأمامنا احتمالات ثلاثة في هذه الحالة :
1. أن تظل البنت حبيسة في البيت بدون زواج وتقضي حياتها وحيدة وهذا يناقض فطرة المرأة وتكوينها النفسي والبدني مهما حاول البعض المغالطة بأنها تستطيع الاستغناء عن الرجل بالكسب والعمل فليس المال والعمل كل شيء في حياة المرأة.
2. أن تتبع رغباتها بالحرام وتتصل بالرجال اتصالاً محرماً خارج نطاق الزوجية وترتمي كل يوم في ناد ليلي وتعيش آلام الضياع والرذيلة.
3. أو أن نأخذ بالحل الإسلامي بالزواج من رجل متزوج بأخرى يصونها ويحميها من التبذل ويرعاها ويكرمها.
يقول المفكر والفنان الفرنسي إيتان دينيه إن تعدد الزوجات عند المسلمين أقل انتشاراً منه عند الغربيين الذين يجدون لذة الثمرة المحرمة عند خروجهم عن مبدأ الزوجة الواحدة !
وهل حقاً إن المسيحية قد منعت تعدد الزوجات ؟!
وهل يستطيع شخص أن يقول ذلك دون أن يأخذ منه الضحك مأخذه؟!
إن تعدد الزوجات قانون طبيعي ، وسيبقى ما بقي العالم ، إن نظرية الزوجة الواحدة أظهرت ثلاث نتائج خطيرة : العوانس ، والبغايا، والأبناء غير الشرعيين ( كتاب محمد رسول الله إيتان دينيه 395)
كيف علاج الغرب موضوع التعدد؟
لقد عالج الغرب موضوع التعدد عبر غض الطرف عن الزنا وتسهيل سبله للراغبين فيه والراغبات والاعتراف بالعلاقات المحرمة و باللقطاء وأولاد الزنا وفتح الدور والحضانات لذلك .
حتى قال الفيلسوف الألماني شوبنهاور إنه من العبث الجدال في أمر تعدد الزوجات ما دام منتشراً بيننا لا ينقصه إلا قانون ونظام (ويعني بذلك العلاقات المحرمة خارج نطاق الزواج )
ولكن الإسلام كرم الإنسان :
وإذا كان الغرب يرضى لنفسه بهذا السقوط فإن الإسلام الذي كرم الإنسان وأعلى شأنه ذكراً كان أم أنثى يأبى عليه أن يتردى إلى هذه الهاوية ويتحلل من مواثيق العفة والطهر.
يقول غوستاف لوبون الفيلسوف الفرنسي الشهير إن نظام تعدد الزوجات الشرقي نظام طيب يرفع المستوى الأخلاقي للأمم التي تقول به ، ويزيد الأسرة ارتباطاً ، ويمنح المرأة احتراماً وسعادة لا تراهما في أوروبا(حضارة العرب غوستاف لوبون 397)
وخلاصة الأمر :
1. التعدد موجود في الدينات السابقة.
2. نظم الإسلام التعدد ووضع له القيود والضوابط التي تحافظ على كرامة المرأة .
3. التعدد ليس واجباً في الإسلام .
4. يشترط الإسلام للتعدد وجوب العدل في كل ما يمكن ضبط العدل فيه .
5. يشترط الإسلام للتعدد القدرة على النفقة والعيش الكريم للزوجتين.
6. قبول الزواج ابتداء وتعدداً موكول بموافقة المرأة.
7. التعدد يعالج العديد من مشاكل المجتمع المعاصر.
8. تعامل الغرب مع موضوع التعدد بحلول فيها سقوط في أوحال الرذيلة والتحلل الأخلاقي.. يأباها الإسلام ويضع التعدد كحل عادل لها.